ثلاثية التعلُّم الحديث
Tue, 29 Apr 2025

مخرجاتها ليست فقط شهادات، بل نفوس تغيّرت، وعقول تنوّرت، وشباب أصبحوا مشاعل هدى في مجتمعاتهم.
طالما راودَ أنفسَنا هذا السؤال:
ما الحكمة من حفظ القرآن الكريم غيباً، ونحن اليوم نستطيع قراءته مباشرة من المصحف في أي وقت نشاء؟
فقد كان الحفظ ضرورة في زمن النبوة، لعدم جمعه حينها في مصحف واحد، فهل ما زال الحفظ اليوم بنفس الأهمية؟
وللإجابة عن هذا التساؤل بيانٌ يضيء الطريق ويوضح المعنى، فنقول:
إنّ في حفظ القرآن الكريم تحقيقًا للوعد الإلهي في قوله تعالى:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]،
فالقرآن محفوظٌ في السطور كما هو محفوظٌ في الصدور، ولو حاول أحدٌ تحريف ما كُتب، لرده حُفاظُه الذين وعوه عن ظهر قلب.
والحافظ للقرآن يحمل بين جنبيه حُجّة على كل من خالفه، وبرهانًا حيًّا متى ما دعت الحاجة.
وهو في أمنٍ مع كتاب الله، أنَّى ارتحل، فإن حُرِم من المصحف لسببٍ ما، فمعه آياته في قلبه، يقرأها آناء الليل وأطراف النهار.
كما أنّ الصلاة، وهي عماد الدين، لا تقوم إلا بقراءة شيء من القرآن، سواء أكان المصلّي إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، ولا يتمّ ذلك إلا لمن وعى القرآن حفظًا.
وفي حفظ القرآن فوائد جمّة، وفضائل عظيمة، نذكر منها ما يلي:
اتباع سنة النبي ﷺ، فهو صلى الله عليه وسلم قد حفظ القرآن وراجعه مع جبريل عليه السلام في كل عام، بل في العام الذي توفي فيه، عارضه به مرتين، كما جاء في صحيح مسلم عن فاطمة رضي الله عنها.
النجاة من النار، ففي الحديث: "لو جُمِع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار"، رواه البيهقي وصححه الألباني، وفيه بشارة عظيمة لحافظ كتاب الله.
الشفاعة يوم القيامة، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه"، رواه مسلم.
رفعة الدرجات في الجنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارقَ ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، رواه أحمد والترمذي وأبو داود، وصححه الأرناؤوط والألباني.
تعظيم حامله دليل على تعظيم الله، كما في الحديث: "إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط"، رواه أبو داود والبخاري في "الأدب المفرد" وحسنه الألباني.
حفاظ القرآن هم أهل الله وخاصّته، فقد روى النسائي وابن ماجه وغيرهما عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله أهلين من الناس"، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته"، وصححه الألباني.
الرفعة في الدنيا والآخرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين"، رواه مسلم.
تقديم الحافظ للإمامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى"، رواه مسلم.
منزلة الحافظ بين الملائكة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة"، متفق عليه.
الغبطة الحقيقية تكون في حفظه، كما في الحديث المتفق عليه: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب، فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار..."
أن تعلم القرآن وحفظه خير من متاع الدنيا، كما في الحديث: "أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل"، رواه مسلم.
وفي الختام:
حفظ القرآن هو عبادة قلبية وعقلية وجسدية، بها يعلو الإنسان ويَسلم ويُكرم،
فهو نُورٌ في الدنيا، ونَجاةٌ في القبر، ورفعةٌ في الآخرة.
فليكن لك مع كتاب الله موعدٌ يومي، تحفظ منه ما استطعت، وتغرس في أبنائك محبة حفظه، فإنهم إن كبروا، كبرت فيهم البركة.
Tue, 29 Apr 2025
Tue, 29 Apr 2025
Tue, 29 Apr 2025
اترك تعليقًا